نبحث عن الحقيقة

الإطار العام للاقتصاد الإسلاميّ

موقع طلائع المجد | خاص | 5

إعداد | علي عبد الله صومل

أسئلة تمهيدية: – هل هناك تناقض بين مصلحة المجتمع والمصالح الخاصة للأفراد؟.- كيف استطاع الإسلام أن يدفع الأفراد للتضحية بمصالحهم الخاصة من أجل المجتمع؟.- ما معنى قوله تعالى: ذلك الدين القيم (1) ؟.- هل باستطاعة العقائد الأخرى غير الإسلام أن تحلّ التناقض بين مصلحة الفرد والمجتمع؟. ** * —————–

#الإطار الدينيّ للاقتصاد الإسلاميّ:

يمتاز الاقتصاد الإسلامي عن بقية النظم الاقتصادية بإطاره الديني؛ لأن الدين هو الإطار الشامل لكل أنظمة الحياة في الإسلام. وهذا الإطار هو الذي يجعل النظام الإسلامي قادراً على النجاح، وتحقيق المصالح الاجتماعية العامة للإنسان؛ لأن هذه المصالح لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق الدين.
#تنوع مصالح الإنسان:

ولكي يتضح ذلك يجب أن نبين أن مصالح الإنسان في حياته المعيشية يمكن تقسيمها إلى فئتين:أولاهما: المصالح التي تقدمها الطبيعة للإنسان (المصالح الطبيعية) ، كالعقاقير الطبية مثلاً، فإن من مصلحة الإنسان الظفر بها من الطبيعة وليس لهذه المصلحة صلة بعلاقاته الاجتماعية مع الأفراد الآخرين؛

لأن الإنسان بوصفه كائناً معرضاً للجراثيم الضارة، بحاجة إلى تلك العقاقير، سواء أكان يعيش منفرداً أم ضمن مجتمع.والثانية: المصالح التي يحققها النظام الاجتماعي للإنسان بوصفه كائناً اجتماعياً يرتبط بعلاقات مع الآخرين (المصالح الاجتماعية) ، كالمصلحة التي يحققها النظام للإنسان حين يسمح له بمبادلة منتوجاته مع الآخرين، أو حين يوفر له ضمان معيشته في حالات العجز والتعطل عن العمل.

ولكي يتمكن الإنسان من توفير مصالحة الطبيعية والاجتماعية، يجب أن يتمتع بالقدرة على معرفة تلك المصالح وأساليب إيجادها، ___________________________ (1) الروم: 30.

وبالدافع الذي يدفعه إلى السعي في سبيل تحقيقها.فالعقاقير التي تستحضر للعلاج من السل مثلاً،

توجد لدى الإنسان حين يعرف أن للسل دواء ويكتشف كيفية استحضاره، ويملك الدافع الذي يدفعه إلى الانتفاع باكتشافه واستحضار تلك العقاقير.كما أن ضمان المعيشة في حالات العجز – بوصفه مصلحة اجتماعية – يتوقف على معرفة الإنسان بفائدة هذا الضمان، وكيفية تشريعه، وعلى الدافع الذي يدفع إلى وضع هذا التشريع وتنفيذه.

الفرق بين المصالح الطبيعية والاجتماعية: وفي ما يتعلق بالمصالح الطبيعية للإنسان، فقد زود الله الإنسانية بإمكانات الحصول على تلك المصالح، وهي القدرة الفكرية التي تستطيع بها أن تدلك ظواهر الطبيعة والمصالح التي تكمن فيها. وهذه القدرة تنمو على مرّ الزمن في خط متصاعد.وإلى جانب هذه القدرة الفكرية، تملك الإنسانية دافعاً ذاتياً، يدفعها لتحقيق مصالحها الطبيعية؛ لأن المصالح الطبيعية للإنسان تلتقي لفرد دون فرد، أو منفعة لجماعة دون آخرين.
ولأجل ذلك يندفع المجتمع الإنساني لتوفير المصالح الطبيعية بوصفها ذات نفع شخصي للأفراد جميعاً. وأما المصالح الاجتماعية، فإننا نلاحظ عجز الإنسان عن إدراك التنظيم الاجتماعي الذي يكفل له تحقيقها، وينسجم مع طبيعته وتركيبه العام؛
وذلك نتيجة لعجز الإنسان عن معرفة خصائص المجتمع الإنساني والطبيعة الإنسانية بكل محتواها.كما نلاحظ أيضاً، أن الإنسانية تفتقد الدافع الذاتي الذي يدفعها
إلى تطبيق النظام الصالح وتنظيم المجتمع على أساسه، والسبب في ذلك هو أن المصلحة الاجتماعية لا تتفق في كثير من الأحيان مع الدافع الذاتي؛ لتناقضها مع المصالح الخاصة للأفراد.
فبينما كان الدافع الذاتي يجعل الإنسان يحاول إيجاد دواء للسل؛ لأن إيجاد هذا الدواء من مصلحة الأفراد جميعاً، نجد أن هذا الدافع الذاتي نفسه يحول دون تحقيق كثير من المصالح الاجتماعية.
فضمان معيشة العامل حال التعطل يتعارض مع مصلحة الأغنياء، الذين سيتحملون نفقات هذا الضمان، وتأميم الأرض يتناقض مع مصلحة أولئك الذين يمكنهم احتكار الأرض لأنفسهم، وهكذا كل مصلحة اجتماعية، فإنها قد تتعارض مع الدوافع الذاتية لبعض الأفراد أو الفئات التي تختلف مصلحتها عن المصلحة الاجتماعية العامة.وهذا هو الفارق الأساسي بين المصالح الطبيعية والمصالح الاجتماعية.
فإن الدوافع الذاتية للأفراد لا تصطدم بالمصالح الطبيعية للإنسانية، بل تدفع الأفراد إلى تحقيقها،
بينما نراها تحول دون اندفاع الإنسان لإيجاد التنظيم الاجتماعي الصالح، إذا تعارض معها.
وبهذا يتضح أن المشكلة الاجتماعية التي تحول بين الإنسانية وتكاملها الاجتماعي، هي التناقض بين المصالح الاجتماعية والدوافع الذاتية.
الإسلام يوفق بين المصالح الاجتماعية والدوافع الذاتية: إن الحل يتوقف على التوفيق بين الدوافع الذاتية والمصالح الاجتماعية العامة. وهذا التوفيق هو الذي يستطيع الدين أن يقدمه للإنسانية؛
لأن الدين هو العقيدة التي تستطيع أن تعوّض الإنسان عن لذائذه الموقوتة التي يتركها في حياته الأرضية، أملاً في نعيم الآخرة الدائم،

وتستطيع أن تدفعه إلى التضحية بوجوده؛ لإيمانه بأن هذا الوجود المحدود، هو تمهيد لوجود خالد وحياة دائمة، وتستطيع أن تخلق في تفكير الإنسان نظرة جديدة تجاه مصالحه، ومفهوماً عن الربح والخسارة أرفع من المفاهيم التجارية المادية.ففي مفاهيم الدين يكون التعب طريق اللّذة،
والخسارة لأجل المجتمع طريق الربح، وحماية مصالح الآخرين تعني ضمناً حماية مصالح الفرد في حياة أسمى وأرفع. وهكذا ترتبط المصالح الاجتماعية بالدوافع الذاتية، بوصفها مصالح للفرد في حسابه الديني.وفي القرآن الكريم نجد تأكيدات هذا المعنى في كثير من الآيات، وهي تستهدف جميعاً، تكوين النظرة الجديدة عند الفرد لمصالحه وأرباحه، فالقرآن يقول:-
من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن، فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب (1) -يومئذٍ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره (2) . -ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يرزقون (3) -ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبل الله ولا يطؤن موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من

(1) غافر 40. (2) الزلزلة: 6 – 8. (3) آل عمران: 169.

عدواً نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ولا ينفقون نفقةً صغيرةً ولا كبيرةً ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون (1) .وبهذه الصورة يربط القرآن الكريم بين الدوافع الذاتية وسبل الخير في الحياة، ويطوّر مصلحة الفرد تطويراً يجعله يعتقد بأن مصالحه الخاصة والمصالح العامة للإنسانية التي يحددها الإسلام مترابطتان. فالدين إذن هو المؤثر الأساسي في حل المشكلة الاجتماعية، عن طريق تسخير الدافع الذاتي لحساب المصلحة العامة.

التدين غريزة فطرية:

ومما تقدم يتضح أن الدين حاجة فطرية للإنسانية؛ لأن الفطرة ما دامت هي أساس الدوافع الذاتية التي نبعت منها المشكلة، فلا بد أن تكون قد زودت بإمكانات حل المشكلة أيضاً؛ لئلا يشذ الإنسان عن سائر الكائنات التي زودت فطرتها جميعاً بالإمكانات التي تسوق كل كائن إلى كماله الخاص، وليست تلك الإمكانات التي تملكها الفطرة الإنسانية لحل المشكلة الاجتماعية، إلا غريزة التدين لدى الإنسان،

والاستعداد الطبيعي لربط الحياة بالدين وصياغتها في إطاره العام. وهذا ما قرّره الإسلام بكل وضوح في قوله تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفاً، فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون (2) . فإن هذه الآية الكريمة تقرّر:—————

(1) التوبة: 120 – 121. (2) الروم: 30.
أولاً: إن الدين من شؤون الفطرة الإنسانية التي فطر الناس جميعاً عليها ولا تبديل لخلق الله.ثانياً: إن هذا الدين الذي فطرت عليه الإنسانية هو الدين الحنيف، أي دين التوحيد الخالص؛ لأنه وحده الذي يستطيع أن يوحد البشرية على مقياس عملي وتنظيم اجتماعي تحفظ فيه المصالح الاجتماعية. وأما أديان الشرك،

فهي في الحقيقة نتيجة للمشكلة، فلا يمكن أن تكون علاجاً لها؛ لأنها وليدة الدوافع الذاتية التي أملت على الناس أديان الشرك، تبعاً لمصالحهم الشخصية المختلفة.ثالثاً: إن الدين الحنيف الذي فطرت الإنسانية عليه يتميز بكونه ديناً قيماً على الحياة «ذلك الدين القيم»، قادراً على التحكم بها وصياغتها في إطاره العام. وأما (الدين) الذي لا يتولى إمامة الحياة وتوجيهها، فهو لا يستطيع أن يستجيب استجابة كاملة للحاجة الفطرية في الإنسان إلى الدين، ولا يمكنه أن يعالج المشكلة الأساسية في حياة الإنسان.

الخلاصة: –
تنشأ المشكلة الاجتماعية من التناقض بين الدوافع الذاتية للأفراد وبين المصالح العامة للمجتمع.- وظيفة الدين – بوصفه الإطار العام للتنظيم الاجتماعي والاقتصادي في الإسلام – هي حل المشكلة الاجتماعية عن طريق التوفيق بين الدوافع الذاتية والمصالح الخاصة من ناحية، والمصالح العامة للمجتمع الإنساني من ناحية أخرى.

المصدر |
منتزع من كتاب ”اقتصادنا“ و”البنك الإسلامي اللاربوي“ وغيرهما من مؤلفات المفكر الإسلامي الكبير السيد العلامة الشهيد | محمدباقر الصدر
تلخيص وترتيب أحد الباحثين

اترك رد