نبحث عن الحقيقة

(نصيحةٌ من القلب للدكتور عدنان إبراهيم)

موقع طلائع المجد | مقالات | 4

بقلم| السيد العلامة / عبد المجيد الحوثي

يا دكتور عدنان لقد أحبّك الكثيرُ من الناس وأبغضك الأكثر..
أحبك المُنْصِفون المعتدلون العقلانيون الصادقون؛ لأنهم وجدوا فيك العِلْم والبحث والإنصاف والاعتدال والتحرُّر ،وعدمَ الجري وراء المناصب والمكانة على حساب الصدع بكلمة الحق .
و جدوا فيك الوقوف إلى جنب الحق مهما ضعُفَ و قلَّ ناصروه ،وجدوا فيك الباحث الحصيف والناقد البصير والمتكلم الفصيح .
وجدوا فيك المصداقية التي يفتقدنا الكثير من مدّعي العلم الراكضين وراء المناصب والأموال وإرضاء الحكّام والدُّول.
كنت مثالاً فريداً في طرحك، وعقلانيّتك (قد نتفق معك في أطروحاتك في الماضي أحيانا ونختلف معك أحيانا أخرى ،و لكن كنت تبقى محل احترام لاحترامك للعقل وللآخر) .
وأبغضك الأكثر؛ لاأهم وجدوا فيك تلك الصفات التي سبقت ،والتي لا تتوافق مع نفسياتهم ،ومع طريقة تفكيرهم التقليدية والمصلحية المتعصّبة.
هكذا كنا نراك حينما تتكلم عن العلوم والأفكار ،والمسائل الفلسفية والعقدية و التاريخية.
و لكننا وللأسف نراك اليوم تنقلبُ على كل تلك المبادئ التي أحبك من أجلها محبوك!
نراك تنجرُّ إلى مربّعٍ خطيرٍ عليك في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وهو مربعُ تمجيدِ الطغاة ،والمستكبرين والظالمين ..
نراك -بحسن نية أو بسوء نية- تُمجّد العملاء والمجرمين لمجرد أنهم يتّسمون ب”أهل السنة”.. نراك تنجرُّ لمربع الظالمين على حساب المظلومين..نراك تنجر لصف المستكبرين على حساب المستضعفين.
قد يكون غباؤك السياسي _واعذرني على التعبير الذي أطلقتَه أنت على نفسك_يمثّل عذراً في الظاهر لك في بادئ الرأي ،ولكن أين ذهَبَ علْمُك يا دكتور ؟
اين ذهبت آيات القرآن الكريم: (و لا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسّكم النار)(وما كنت متخذ المضلين عضدا) ..؟
أين ذهب خوفك من الله ومراقبتك للوقوف بين يديه وأنت تمتدح من يقتل عشرات الالاف من المدنيين الأبرياء بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ؟
أين خوفك من غضب الله وأنت لم تُنكِر على ابن سلمان وبن زايد عدوانَهم البربري على الشعب اليمني وحصاره لأكثر من ثلاثة أعوام ؟
اين ذهَبتْ معرفتُك بالدّين والقرآن وأنت بدل ذلك تكيل لهم المدائح والألقاب و تمجدهم على رؤوس الأشهاد ؟!
هَبْ أن الحوثيين “شيعة” وليسوا مثلك من “أهل السنة”، أو هبْهم مخطئين من وجهة نظرك .. فهل يبيح هذا لابن سلمان و بن زايد قتلَهم ؟واذا كان هذا يبيح له قتلهم فكيف بقتل عشرات الالف من النساء والاطفال من أبناء اليمن (سنة وشيعة شافعية وزيدية)؟
ألا تذكر قول الله عزوجل:(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)
[سورة آل عمران 187]
كنا ننتظر منك يا دكتور عدنان خُطباً عصماء في استنكار هذا العدوان وهذه الجرائم الوحشية فإذا بك تصدمنا بالثناء والإطراء على القتلة والمجرمين !!
يا دكتورنا العزيز إن من ملأ الدنيا بالفكر التكفيري الذي أنتج داعش و القاعدة ومن كفّروك و كفّروا المسلمين هم ملوكُ النفط من آل سعود بأوامر من أسيادهم الأمريكان كما اعترف بذلك ابن سلمان في الأيام الماضية ..وأنت ذكرت ذلك وسارعت إلى تبريره بأنه بحسن نية ! ومن أن أخذت حسن النية هذا وما شواهدك عليه ؟!
يا دكتور عدنان إن ابن سلمان وإن كان يريد تغيير سياسة من سبقه من المتشدّدين فإنه إنما ينفّذ في ذلك أوامر أسياده من الأمريكان كما نفّذ من قبله أوامرهم سابقاً في تبنّي التشدُّد خدمةً للمصالح الأمريكية في محاربة “الاتحاد السوفييتي” آنذاك .
واليوم ابن سلمان يتّجه إلى التحلُّل والانحراف ،ليس حُبّاً في الاعتدال والوسطية بل لأنها جاءتْه التعليمات من “البيت الأبيض” بذلك..
هذه أمورٌ أضحت واضحةً وضوحَ الشمس لعوامّ المسلمين فكيف خفيَتْ عنك وأنت المحقِّق النحْرير؟؟!!
لن أنجرَّ وفي لحظة غضبٍ لأكيل لك التُّهم بالارتزاق والعمالة، أو إنكار علمك، أو معرفتك، أو صوابيّة المنهج البحثيّ المتحرّر الذي عُرِفْتَ به في الماضي ..
و لن أُنكر جهودَك في هذا المجال الذي قد آتت ثمارها بدليل أن معظم محبيك والمتعلقين بك بمجرد أن رأوك تنحرف عن المنهج الذي رسمتَه لهم والمبادئ التي رسّختها فيهم سارعوا إلى انتقادك والإنكار عليك فهذا أكبر شاهد أنك بنيْت رجالاً أحراراً يقدّسون الحق ولا يقدّسون الأشخاص .
نصيحة أخيرة لك دكتور عدنان ستذكرُها طال الزمانُ أم قصُرَ في الدنيا
أو بين يدَيْ ربّ العباد .
أقسمُ لك بالله قسماً صادقاً أني أحبُّك ولا أريد لك إلا الخير ،وأقسم لك قسماً صادقاً أن ابن سلمان وبن زايد لن يقرّبوك إلى الله ولا إلى جنّته ،وإنما سيقربونك إلى غضب الله وإلى النار .
ارجعْ إلى جامِعِك و خُطَبِكِ ومسائلك العلمية ،واتركِ السياسةَ والملوك والحكام فأنها ستجرفك سيول ضلالهم و مصالحهم .
ارجعْ إلى مَنْ أحبوك لعلمك وإنصافك ،وقد خسِرْتَهم بمواقفك الأخيرة و بالطبع لن تكسَب الفريقَ الآخر الذي لن يرضى عنك مهما فعلت وإنما سيستغلك لمصالحه و باطله ثم يرميك في أول يومٍ يستغني عنك فيه .
خذِ النصيحة من أخٍ محبٍ وتُبْ إلى الله من مَدْح الطغاة والمجرمين ،وحافظْ على الإيمان الذي اكتسبتَه من طلب العلم ،والتأمُّل في كتاب الله ،والذي سينسخه هؤلاء الطغاة والمستكبرين ببهرجهم ، وزخرف قولهم ،والإمكانات المهولة التي سيقدّمونها لك لتمرير باطلهم .
أسال الله لك الهداية والتوفيق ،والرجوع إلى أقْوَمِ طريقٍ ،و صلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله .

اترك رد