التذكير .. جديد (الوجه الآخر)

 بقلم/ حمود الأهنومي
مقالات_طلائع المجد:
بعد مشاهدتي للفيلم الوثائقي (الوجه الآخر) لم أستغرِبْ كثيرا، رغم استفظاعي لما ورد فيه، غير أن معرفتي بأن من نفَّذوا تلك الأعمال الشنيعة سبق لهم وأن صفقوا بحرارة للعدوان السعودي الأمريكي على اليمن سهل مرور تلك الطامات واجتيازها خطوط الاستبعاد.
 
تبدأ فظاعات هذه الجماعة منذ بداية نشأتها في مصر، على الرغم أن النسخة المصرية قد تصنف في الأقل عنفا من النسخة اليمنية التي عجنت بحويصلات وهابية سلفية سعودية، لكن اغتيالهم للمستشار أحمد بك الخزندار في مصر في 22 مارس 1948، ثم لرئيس الوزراء “محمود النقراشي” بعد قراره بحظر جماعتهم، ثم محاولاتهم الكثيرة لتنفيذ عمليات اغتيال ضد خصومهم السياسيين، إلى تهديدهم العلني والصريح لرجال الدولة عقب الإطاحة بهم من نظام السيسي، لا يترك فيهم أي أمل في التغير الإيجابي.
أما النسخة اليمنية بإفرازاتها العنصرية، وطائفيتها المذهبية، وتكويناتها السلفية الوهابية، ولقاحاتها الأمريكية، ووصوليتها الانتهازية، وتاريخها الدموي بحق المخالفين لها فحدِّث عن (داعشيتها) ولا حرج.
 
ومهما ثار من استغرابٍ في المشاهِد لـ(الوجه الآخر) غير أن ما أعلنه القوم من تأييدٍ للعدوان الأمريكي السعودي على اليمن بكلِّ ما حمله من قبحٍ وفجاجةٍ وظلمٍ وفحشٍ وإسفافٍ ودناءةٍ وحقارةٍ واستهدافٍ عامٍّ لكل اليمن إنسانا وشعبا ومقدَّرات لهو كاف بأنهم جاهزون لارتكاب ما هو أهون من ذلك، حيث العدوان هو الطامة الكبرى، التي هانت عندها كل طاماتهم الأخرى، وصغرت عندها كل كبائرهم التي لا تحصى.
إن ثقافة الاغتيالات والفتك بالخصوم هي ثقافة سائدة ومسيطرة لدى قادة الإخوان منذ وقت مبكر، ويتذكر أحد أصدقائي أنهم يوم كان ينتسب إليهم في الثمانينات في صنعاء كلَّفوا المنتسبين إليهم على مستوى الأحياء والحارات برصد جميع العناصر التي سموها (الشيوعية)، ثم ما حدث في عام 92م، و93م في القرن الماضي من اغتيالاتٍ طالت كثيرا من القيادات والرموز الاشتراكية، واليسارية، لا يجعلنا نستغرب من أحداث هذا الفيلم وما ورد فيه من أدوارٍ إجرامية وخطط شيطانية جهنمية.
 
بالنسبة لدارس تاريخ الإخوان لا يضيف الفيلم شيئا يستحق الذكر عما هو معروف عنهم، غير أنه يذكِر الناسين والغافلين أن الذئب لم يكن ولن يكون حملا وديعا في يوم من الأيام، وأن الإخوان هم أساس البلاء في هذه الأمة، وهم المدرسة الجامعة والنسخة الأصلية لحركات الوهابية العنفية، القاعدة وداعش.
لم تعد محاولات التفريق بين الإخوان ومنتجات الوهابية الأخرى مجديا، حيث تبيَّن بشكل لا مرية فيه أن الإخوان في كل مكان تواجدوا فيه لا يختلفون في المحصِّلة عن القاعدة وداعش، وأن هناك تداخلا فكريا، وحركيا، وبيئيا، وحتى تاريخيا بين هذه الحركات، وسيتجشَّم المستحيلات من يحاول التفريق بينهم، وهذا الفيلم أحد أدلة وشواهد ما قلناه.
 
يجب أن يعرف الجميع أن هذا الفيلم رغم أنه لا يوثق سوى جزء صغير من مشهد كبير اقترفه هؤلاء بحق شعبهم ومواطنيهم، لكنه أيضا يُلْقِم الحجر في أفواه بعض السذّج ممن رددوا عبارة (لا رحم الله من كان السبب)؛ إذ يثبِت الفيلم أن تحركات الإخوان في الرصد بدأت عام 2012م، وأن الإخوان وربة نعمتهم السعودية كانوا يخططون منذ وقت مبكر لاستهداف اليمن، وكانوا فقط ينتظرون الذريعة.
قبل شهورٍ صادفت أحد أصدقائي ووجهه يحمرُّ غضبا، وما فتئ يكتب المنشورات الفيسبوكية المندِّدة برجال الأمن من الجيش واللجان الشعبية؛ لأنهم اعتقلوا صديقه وخدينه في الحارة والذي ينتمي لحزب الإصلاح، سألته الليلة بعد الفيلم، هل رأيت صديقك وهو يهدي الورد والياسمين لرؤوس اليمنيين في (وجهه الآخر)؟
فانبرى مُقْسِما أنه بات يتحقَّق أن الأصل في كل إصلاحي عقائدي أن يكون حاقدا على أبناء وطنه إلى درجة الاستعداد للفحش في القتل، وأن يكون عميلا للسعودية وأمريكا، وأن يكون خائنا لبلده، ومنفِّذا لعمليات الاغتيال بحق جميع المختلفين عنهم، وأنه مدان في العدوان حتى تثبت براءته.
لقد برهن الفيلم أن الحقد على شعبنا إنسانا ودولة ومقدرات هي ثقافة الإصلاح قواعدَ وقياداتٍ، وأكاديميين وشيوخَ فتوى.
 
وأنا على يقين أن المجرم نصر السلامي قد كذَبَها بلقاءَ فاضحةً، لمَا قال بأنه كان إلى وقت قريب يرى حرمة الاغتيالات؛ لأن تاريخ الإخوان وأدبياتهم يناديان بملء الفم أنهم على خلاف ذلك، وتالله إن قبولهم لأن يكونوا جزءا من العدوان على اليمن بتلك المظاهر البشعة والمتجاوِزة حتى لخطوط وسقوف الصهاينة والأمريكان لن يدع أيَّ احتمال لأي باحث بأنهم يشكُّون في حل الاغتيالات.
إنَّ مَنْ جوز وصفق لهذا العدوان، وادعى أنه بأمر السماء، وإنّ مَنْ رفع إحداثيات بيوت اليمنيين الآمنين ومؤسساتهم ومشافيهم ومساجدهم وصالات عزائهم، ومن ذرف دموع التماسيح خوفا من توقُّف قصف جسورهم وطرقهم، فإنه لن يتردَّد لحظة واحدة في استباحة دمِ خصمٍ سياسي أو مذهبي له بكاتم صوت، أو بعبوة ناسفة.
كذبْتَ يا نصر، وصدق تاريخ حزبكم الملعون!

التعليقات مغلقة.