العدوان على اليمن بين “فريضة الجهاد وجريمة الحياد”

الكاتب: علي عبدالله صومل
——————————————————————–
الحياد كما ورد في المعجم الوسيط (عدم الميل إلى أي طرف من أطراف الخصومة حايده محايدة وحياداً مال عنه، وحايده كف عن خصومته) وينقسم الحياد إلى قسمين: أحدهماً سلبي، والآخر إيجابي.
الأول: هو أن يتخذ الإنسان موقف الحياد من الصراع بين معسكري الحق والباطل، الدفاع والبغي، الإسلام والكفر.
وإليك مثالين على هذا النوع من الحياد:
ما حكاه الله عن الذين نافقوا {وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ}.
موقف الذين اعتزلوا القتال مع أمير المؤمنين علي عليه السلام واختطوا لأنفسهم موقف الحياد وسياسة القعود على التل، وقد قال فيهم أمير المؤمنين عليه السلام عندما سئل عنهم (أولئك قومٌ خذلوا الحق ولم ينصروا الباطل).
أما النوع الثاني من الحياد: وهو الحياد الإيجابي أو لنسميه الحياد المشروع، وذلك عندما تكون المعركة بين طرفي النزاع فتنةٌ عمياء، يذم القائم فيها والساعي لها، وهي تلك الفتنة التي لا تستند إلى حق ولا إلى شرع، يكون القائم فيها باغياً معتدياً، ظالماً متطاولاً، مبتغياً بها الدنيا وحطامها، وهي الفتنة التي عناها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بما روي عنه في بعض الفتن (إن بين أيديكم فتناً قطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خير من الماشي … ) إلى آخر الحديث، وهي ذات الفتنة التي أوصى باجتنابها الإمام علي عليه السلام في قوله: (كن في الفتنة كابن اللبون لا ظهرٌ فيركب ولا ضرع فيحلب) فالتزام الحياد عن مثل هكذا فتنة أمرٌ مشروع لا غبار عليه.
وبالوقوف على حقيقة ونوعية الحياد لغة وشرعاً نستطيع أن نصل إلى نتيجة مهمة نلخصهافي العبارة التالية (يكون الحيادجريمةإذا صارالجهاد فريضة وبمستوى ضرورة الجهاد تكون خطورة الحياد وأن لاحيادية بين الحق والباطل ولابين الإسلام والكفرولابين البغي والمدافعة).
نستطيع القول أن الحياد السلبي عن التصدي للعدوان السعودي الأمريكي على اليمن تأييد ضمني لتحالف العدوان السعودي الأمريكي الأرعن لا يقل ضرراً عن التأييد العلني للحرب إن لم يكن أضر وأفتك.
إن مواجهة العدوان السعودي الأمريكي الغاشم ضرورة إنسانية قبل أن تكون فريضة إسلامية
توجب على جميع المذاهب الإسلامية والأحزاب السياسية والوطنية في البلد الحبيب أن تشابك بين أنامل الوحدة والمناصرة وأن تعزز من عوامل القوة والمصابرة فلامجال للإعتبارات الشخصية أوالفئوية الخاصة ولاللمشاريع الحزبية أوالمذهبية الصغيرة إذا ماأضرتا بالهوية والروابط اليمنية الأخوية الجامعة أوبالمصالح الدينية والوطنية العامة.
ليس من حق أي فرد أوفئة أوحزب أن يتنصل عن مسؤوليته التأريخية تحت أي ذريعة اللهم إلامن كان معذورا بنص الآية الكريمة (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا) فـ(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).
ومن هنا فإننا نخاطب المحايدين من أي جماعة كانوا بقول الله سبحانه ( وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا).
ونقول لهم بماقاله سيدالشهيداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام لكل من تقاعسوا عن نصرته (أيها الناس إن لم يكن لكم دين وكنتم لاتخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم).
إن على جميع الشرفاء في كل المكونات الدينية والسياسية أن يتبرأو من كل مؤيدللعدوان على بلدهم اليمن وأن يستنهضوا القاعدين من المحسوبين على مذاهبهم الدينية أوأحزابهم الوطنيةوأن ينتقدوهم على خطأهم الفادح وبكل شجاعة ووضوح فبعد مضي أكثر من عامين على الحرب لم نعد قادرين على التطبيل والمداهنة، عليهم أن يقولوا كلمة الحق ولا تكونن غايتهم هي اللجاج أو المهاترة وإنما بيان الحقيقة وإقامة الحجة يجب أن ينتقد المحايدون من الزيدية و حركة أنصارالله أو من يدور في فلكهما كما يُنتقد المحايدون من حزب الإصلاح أوالصوفية أوغيرهما وليس من حق المؤتمري مثلاأن يدافع عن العملاء أو المحايدين من الحزب ويبرر لهم هذا الموقف وكذلك لا يجوز للمنتمين إلى المدرسة الزيدية أن يدافعوا عن من اعتزلوا الجهاد والتزموا الحياد ولما يتحركوا في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي الغاشم بالكلمة والموقف يجب أن لا تغلب عواطفنا مبادئنا.
فالحياد ليس جريمة في حق هذه الجماعة أو تلك وفضيلة في حق المنتسبين إلى هذا الحزب أو ذاك المذهب.
فالخطأ خطأ كائنا من كان فاعله فليس بين الله وبين أحد من خلقه هوادة.
فمكانة المخطئ أوسابقته في الفضل لايبرران خطأه أبداً؛ بل إن صدورالخطأممن هو كذلك أشد فظاعة وأعظم.
إن الحياد في حد ذاته جريمة كبيرةوتزداد هذه الجريمة (الموقف المحايد) سوءا عندما تصدر من حملة العلم الشرعي الشريف والمراجع العلمية المعتبرة فللموقف العلمائي المحايد سلبيات كثيرة كما أن لتحركهم العملي الجاد في مواجهة العدوان ثمرة عظيمة وفائدة كبيرة.
ونحن من هنا وعبر مجلة الإعتصام لرابطة علماء اليمن نطالب كافة العلماء المحايدين حتى اللحظة أن يتقوا الله وأن لا يخذلوا نساء وأطفال اليمن كما خذل شريح قاضي أمير المؤمنين علي عليه السلام سبط رسول الله الإمام الحسن عليه السلام وقد سألني أحد الفضلاء من طلبة العلم الشرعي. الشريف عن سبب انتقادي لبعض العلماء على موقف الحياد وإلحاحي عليهم للقيام بواجب الجهاد.
فأجبت عليه نطالبهم بالجهاد وننتقدهم على الحياد. للاعتبارات التالية:
1- ليستنهضوا الناس للقيام بواجب الدفاع عن أنفسهم ونصرة دينهم وتحرير بلدهم. ولاسيماأبناء المجتمعات المتدينة التي تعتمد على النخبة العلمائية المباركة في بيان الحكم الشرعي الصريح إزاء كل مسألة جديدة أو حدث طارئ، وعليه فإن قعود العالِم عن التصدي لهذه الهجمة العدوانية الشرسة قعود عالم.
2- ليتمكن المجاهدون من الرجوع إليهم والإستفادة منهم عملاً بقول الإمام زيد بن علي عليه السلام (البصيرة البصيرةثم الجهاد) فالمجاهدون لا يمكن أبداً أن يقتربوا من العالم المحايد.
3- سكوت بعض العلماء عن مدافعة العدوان السعودي الأمريكي على اليمن والدعوة للناس إلى مواجهته بالكلمة والموقف يثير الشكوك لدى عامة الناس في أحقية المعركة ومشروعية المدافعة عن ديننا وهويتنا وعن أرضنا وعرضنا وأموالنا وأنفسنا…إلخ فعند الكثير من الناس أن سكوت العلماء حجة كماأن بيانهم حجة.
4- المستفيد من الموقف المحايد هو المعتدي الغاشم لأنه يوظف هذا الموقف في الترويج أو التدليس على من لابصيرة له في أحنائه بأن حربه الظالمة تصب في مصلحة الشعب وليس فيها مايتعارض مع الدين والدليل على ذلك أن العلامة فلان الفلاني لم ينكر مجازر الطيران ولم يفتِ أحداً بمواجهة العدوان، ولوكان ثمة ظلم لما سكت عنه ولحث الناس على حمل السلاح والتحرك نحو الجبهات وخصوصاً إذا كان ذلك العالم المحايد من علماء الزيدية لأن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومبدأ الثورة والخروج على الظالم من أعظم ملامح المذهب الزيدي وخصائصه، فإن ضرر حياده كبير وخطأه مضاعف.
5- الموقف المحايد الذي يتبناه جمعٌ من العلماء وطلاب العلم دفع ويدفع بالكثير من الناس إلى العزوف عن العلم بذريعة أن هذه العلوم التي تدرس في حلقات العلم تشرعن السكوت على الظلم وتربي الشباب على الذل فهي تدعو إلى سياسة كسر السيف وتؤصل للتصوف السلبي في الوعي الجمعي للمجتمع الثوري ذلك التصوف الذي يخدم المجرمين في الأرض.
6- ليس من مصلحة الدين أن يثِّاقل العالمون والمتعلمون إلى الأرض وأن يتهربواعن الوقوف مع الحق فأمامهم اليوم مسؤولية مضاعفة لامجال لديهم للتنصل منها.
7- بموادعتهم الطغاة وسكوتهم عن مايفعله البغاة يفقد العلماء احترامهم ويستصغر الناس مقامهم بل ويستخفون بحلومهم ويسخرون من علومهم.
8- سكوت بعض العلماء وطلاب العلم الشرعي الشريف عن العدوان على اليمن وقوفٌ في مواطن التهم قد يدفع إلى إساءة الظنون بهم.متسائلين
ماهي مصلحتهم من هذا الموقف? ومن المستفيد من حيادهم? متى وضدمن سيحملون سلاحهم?…إلخ
يقول الإمام زيدبن علي في رسالته إلامام زيد عليه السلام إلى علماء الأمة مالفظه (عباد الله إن الظالمين قد استحلوا دماءنا، وأخافونا في ديارنا، وقد اتخذوا خذلانكم حجة علينا فيما كرهوه من دعوتنا، وفيما سفهوه من حقنا، وفيما أنكروه من فضلنا. عباد الله، فأنتم شركاؤهم في دمائنا، وأعوانهم في ظلمنا، فكل مال لله أنفقوه، وكل جمع جمعوه، وكل سيف شحذوه وكل عدل تركوه، وكل جور ركبوه، وكل ذمة لله تعالى أخفروها وكل مسلم أذلوه، وكل كتاب نبذوه، وكل حكم لله تعالى عطلوه، وكل عهد لله نقضوه فأنتم المعينون لهم على ذ لك بالسكوت عن نهيهم عن السوء.انتهى.
فمتى ياترى سيستيقظ المحايدون من علماء اليمن الميمون من سباتهم العميق ويتحركون في جبهاتهم المفتوحة ويدركون مصيبة قعودهم وفداحة سكوتهم وضرورة أن يرتقوا بهمتهم العصامية إلى مستوى مهمتهم الرسالية ؟
وإلى العلماء الربانيين من الزيدية والصوفية والشافعية والسلفية و… الذين وقفوا في وجه العدوان والحصار تحية إجلال وإكبار.
تنبيه:
ليس صحيحا مايتعلل به المحايدون من الزيدية أن الجهاد والمدافعة لايكونان إلا تحت قيادة إمام عادل فكتب الزيدية الأصولية و الفقهية تنص على وجوب مدافعة البغاة ومقارعة الغزاة في وقت الإمام وفي غير وقته وتوجب الدفاع عن النفس بكل الوسائل الممكنة كماتنص على وجوب الإستعانة بالأقل ظلما على الأكثر إذا استدعت الحاجة ذلك ومن يناكر هذا فعليه بالعودة إلى كتاب شرح التجريد للإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني عليه السلام وأصول الأحكام للإمام أحمدبن سليمان عليه السلام وشفاء الأوام للأمير الحسين بن بدرالدين بن محمد وغيرها كثير؛ ولولا ضيق المساحة المتاحة لهذه المقالة المقتضبة لأوردت كلام أئمة وعلماء الزيدية في هذه المسألة بلفظه.
و نختم هذه المقالة بمارواه الإمام زيد بن علي عليه السلام عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ( ((لا قدست أمة لا تأمر بمعروف، ولا تنهى عن منكر، ولا تأخذ على يد الظالم، ولا تعين المحسن، ولا ترد المسيء عن إساءته)).
المصدر
مجلة الإعتصام الصادرة عن رابطة علماء اليمن العدد الخامس عشر

ملاحظة: المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رؤية الكاتب حصراً

التعليقات مغلقة.