بين يدَيْ الإمامِ الحسين

كتب: أيوب شوقي إدريس

مقالات_طلائع المجد:

الحديث عن الإمام الحسين هو حديثٌ عن الفضيلة ،وحديثٌ عن القيَم ،عن الطُّهْر والأخلاق .
هو حديثٌ عن الكمال البشري ،حديثٌ عن التضحية والفداء ،وحديثٌ عن الحرية والسموّ والعَظَمة .

لا يستطيع كاتبٌ ولو بلغ أعلى درجات الفصاحة والبلاغة ،وحاز جوامع الكلم أن يقف في حضرة الإمام الحسين سيد الشهداء ابن رسول الله ليعبّر بكلمات عن هذه الشخصية الملائكية وهذه الحادثة الدامية والفاجعة الحزينة.

بلا شكّ سيهتزّ وسيتلعثم ،سيجفُّ قلمه ،وتُطوى صفحاتُ دفتره ..كما هو حالي الآن ؛لأن الحديث عن الحسين وعن مأساة وواقعة كربلاء هو حديثٌ واسع وغزير ومتشعّب ..كون الحسين مدرسةً متكاملةً في جميع الجوانب .

الحسين هو قائد الأحرار وسيد الثوّار في تاريخ البشرية ،وثورة الحسين هي ثورة كل حر يأبى الضيم ،ويرفض الظلم ولا يستسلم أو يخنع للطغيان، أو يضعف ويهون أمام الجبابرة الطواغيت .

الحسين رمزٌ نضالي وهامة كبيرة وشخصية عملاقة وطودٌ أشمّ ..
هو ليس خاصاً بفئةٍ أو طائفة أو ديانة حتى؛ وثورة الحسين أفشلت مخططاً لتمييع الأخلاق ووأد الدين وذبح الإنسانية .

ما حدث في كربلاء من إبادة وسحق لأكرم الخليقة عند الله وأفضلهم ،من ذبحٍ للأطفال وسبيٍ للنساء يعَدُّ نكسةً كبرى ،ونكبةً عظمى وعارٌ على جبين الإنسانية والتاريخ .

كما أن ما حدث يُعتبر درساً في التضحية والوقف أمام الشر ونصرة للمستضعفين لكل بني الإنسان ،فوقوف الإمام وحيداً غريباً ليضحّي بنفسه وأهله من أجل الأمة قمة الوفاء ومنتهى الفداء وذروة العطاء .

مشهدٌ عظيمٌ تخرُّ له الجبال وتسجدُ السماوات خشوعاً وإجلالاً وخضوعاً وهيبة أمام الإمام الحسين .حيث يقف الحسين وحيداً محاصراً عطشاناً مغدوراً وقد أحاط به جلاوزة بني أمية وجهلة يزيد ،فيقول كلمته المشهورة: ألا وإن الدعيًّ بن الدعيِّ قد ركز بين اثنتَيْن،ـ يعني عبيد الله بن زياد ـ قدْ ركز بين اثنتين، بين السلة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحُجور طابت وحجور طهرت، وأُنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر).

هذا هو الحسين وهاهم أتباع الحسين اليوم في اليمن يصرخون بذات الصرخة في وجه العدو الأمريكي الإسرائيلي والنظامَيْن الصحراويّيْن السعودي والإماراتي وهم يحاصروننا ويقتلوننا ويحاولون سحقَ شعبنا .

يخرج الإمام الحسين برضيعه “عبدالله” ليطلب منهم الماء ليخفّف من عطشه وشدّة حرارته ،فيرميه اللعين حرملة بن كاهل الأسدي بسهم يذبحه من الوريد إلى الوريد فيتلوّى الطفل بين يدي أبيه الحسين،فيأخذ الحسين دم الطفل إلى السماء ويرميه إلى السساء ويقول: هوّنَ ما نزل بي أنه بعين الله !!
اللهمّ خذْ حتى ترضى !!

يا الله ما هذا الإيمان ؟ وما هذه الروحيّة ؟
أيُّ صبرٍ هذا ؟
يقول الحسين مخاطباً ربَّهُ في ثباتٍ وعشقٍ لله قلّ نظيرُه :
تركتُ الخلقَ طُراً في هواكَ ،، وأيتمتُ العيال لكي أراكَ
فلو قطّعتني بالحبٍّ رباً ،، لما مال الفؤادُ إلى سواكَ
يقول وقد فقد كل أهله وأصحابه: ياربّ ماذا فقد مَن وجدَك ،وماذا وجد من فقدك ؟!

يا الله ما هذا الحب الإلهي ؟ وما هذا العشق الرباني ؟ أيُّ ملاكٍ هذا ؟!

يحيط به جنود عمر بن اسعد وقد قتلوا كل أهله وأصحابه ،وهم يهجمون على خيام النساء والأطفال ليقول لهم: إن لم يكن لكم دينٌ فكونوا أحراراً في دنياكم ” .

فالحسين قضيةٌ إنسانية صرْفة وبحتة وخالصة ،إنها قضية الوجود والكرامة الإنسانية.
يقول الزعيم الثائر الهندي مهاتما غاندي: “إذا أرادت الهند أن تنتصر فعليها أن تقتدي بالحسين، فقد علّمني الحسين كيف أكون مظلوماً، فأنتصر” .

بالأمس قتلوا حسيناً وأهله وأصحابه ورفعوا رؤوسهم على أسنّة الرماح ،واليوم طائرات العدوان تقتل الجميع بلا رحمة ولا شفقة ..
لنا في زينب بنت علي عليها السلام قصّةُ صمودٍ خالدة لا تنتهي وحكاية لا تُمحى من ذاكرة التاريخ والأمم .
زينب مثّلت الصمود والعظمة بكل معانيها ،ويحقُّ للعالم بأسره أن ينحنيَ لزينب “أسطورة الصبر والشجاعة والقوة الإيمانية” .

تقف زينب على جسد أخيها المضرّج الملطّخ بالدماء وهو مقطوعٌ رأسه ،وقد داست حوافرُ الخيول على ظهره وصدره ، فتقول: اللهمّ تقبّلْ منا هذا القربان !!
يسألها الطاغية عبيد الله بن زياد وقد قُتل أخوها وأهلها وجميع الأصحاب ،و أُخذتْ مع بنات رسول الله سبايا يُحدَى بهنّ من بلدٍ إلى بلد يسألها:
كيف رأيتِ صنع الله بأخيك ؟
فتقول: والله ما رأيتُ إلا جميلاً !

تقف بوجه يزيد الطاغية السكّير اللعين مُلاعب القردة ،فتقول له وتهزّؤه وتُسقط هيبته بحديثها وتُرعبه بكلماتها الناريّة: ” ِكدْ كيدك ، واسعَ سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا يرحض عنك عارها ، وهل رأيُك الا فند وأيامُك إلا عدد ، وجمعُك إلا بدد ، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين . ”

الإمام علي بن الحسين يردُّ ساخراً من القاتل فيقول له: أتهدّدني بالموت يا ابن الطلقاء ؟ أما علمت أن القتل لنا عادة ،وكرامتنا عند الله الشهادة ؟
يقول ابن أخيه القاسم بن الحسن بن علي ابن سبع سنوات ،وقد قال له الإمام ستموت: فيردّ عليه :الموتُ فيك يا حسين أشهى من العسل!

واليوم في اليمن كربلاءُ أخرى بكل تفاصيلها: بدمائها وحزنها ،ببكائها ودموعها ،بيُتم الأطفال وعويل النساء وبالمذابح الجماعية ..
وهنا أيضا صمودُ الحسين في كربلاء ،وشجاعة الحسين وإيمان الحسين ،وشموخ الحسين ..
هنا صبر زينب وتجلُّد زينب ،وشجاعة وكبرياء زينب .
هنا نواجه ألف يزيد ،وألف شمِر ،وألف قاتلٍ ومجرمٍ وطاغية .

لقد داس القاتل على دمائنا بأقدامٍ يزيدية سعودية يهودية نجسة رجسة قذرة ..
التاريخ يعيد نفسه ..وفي اليمن تتكرّر كربلاء !
الشَّمِر حزّ رأس الحسين ،وآل سعود يحزّون آلاف الرؤوس ،ويُثكِلون آلاف الأمهات ،ويرمّلون آلاف النساء .
وكما قتل جيشُ عمر بن سعد الحسينَ وداسوه على صدره وقطعوا رأسه،، هنا اليوم المغول يقتلون كل شيء ،،وهنا التتار يدمّرون كلَّ حي وميت ،وهنا النازية بأوضح صورها الملعونة ،وهنا الفاشيّة بأقبح أشكالها المأفونة .

وكما قتل حرملةُ طفلَ الحسين وقتلت وحوشُ يزيد آلَ بيت رسول الله ..هنا اليوم ضباع العَرَب ،وذئاب الغرْب وسفّاحو أمريكا والإمارات يعربِدون ،ويقتلون أطفال اليمن .

في اليمن لا روائح إلا للدماء ..ويكاد يصبح اليمن أحمرَ اللون لكثرة الدماء المسفوحة المهراقة ..
وهنا اليوم تستباح الحرمات ،وتُذبح الكرامة ،وتُشنق الإنسانية ،كما ذُبحت في كربلاء واستُبيحتْ .
اليوم اليمن يعيش نسخةً عصريّةً من كارثةِ ومصيبةِ وبليّةِ كربلاء ،وكما خُذل الحسين وتُرك للسيوف والرماح ،،فحن اليوم نُترك للصواريخ والقنابل ،وإن لم يوقف العالم هذه المجازر فسيصحو على مأساةٍ ومجزرة وفاجعة مُرعِبة بحق شعبٍ عربي أصيل .
إن لم يخرج الجميع عن صمتهم ويُدينوا هذه الفظائع ،فسيدفع الجميع ضريبة هذا الصمت المخزي ،والسكوت المريب الفاضح ،والحياد القاتل ،،ولن ينفع بعدها النواح والبكاء والعويل .
وسننتصر _وإن قُتلنا_ بقضيّتنا رغم الخذلان ،كما انتصر الحسين بقضيّته ومبادئه وثورته .
السلام عليك يا أبا عبدالله الحسين أيها الشهيد المذبوح ظلما وبغياً من شرّ البريّة ،وألعن الخلق وأجرأهم على الله وعلى رسوله .
السلام على زينب الصدّيقة الطاهرة ،والقدّيسة الكاملة ،والطيّبة المطيّبة .
السلام على اليمن ،رجاله ونسائه، وسمائه وأرضه .

النصرُ لنا ،وهيهات منا الذلة !

التعليقات مغلقة.