زينب بذرةٌ في الماضي ..ثمرةٌ في الحاضر وفي حضرتها يتلعثم الطغاة

 

 

بقلم: سليم الشرفي

 

عندما يتوقّد الإيمان في النفس البشرية ،فمحالٌ على الأعداء إطفاءُ شعلته.

وعندما يحمل الإنسانُ مشروعاً رسالياً سيكون معجزة أمام الطغاة .

ولأهل البيت عظمة في هذا الشأن ،وقد ظلم التاريخ ذكراهم ، وطوى مآسيهم ،ولعل فاجعة كربلاء شاهد على ذلك، لولا بوتقة العطاء والفضائل والإحسان سكبت لنا من فيضه ، ورَوَتْ لنا مآسيه، وقد تحصّنت بإيمان بعد أن عاينت الأخ ،وابن الأخ وكل الأهل والعشيرة ضحايا مجندلين على صعيد المنايا ، قد فرّق السيف بين الرأس والجسد، وقد غيّرت الشمس ألوان الأبدان ،فانثنت شاكيةً وجدها إلى جدها _صلوات الله عليه وعلى آله_ :”يامحمداه ، هذا حسين بالعراء، مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء، وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة ” .

إنها زينب وما أدراك ما زينب!

العظمة والشموخ ،الفخر والعزة والقدوة ، خرجت لتقف على جثة أخيها الحسين سلام الله عليه ، فاستحضرت وصيّته الخالدة: ” إن أنا متُّ لا تشقي عليا جيباً ، ولا تخمشي عليا وجهاً ، ولا يذهبن بحلمك الشيطان”.

فما كان منها إلا أن تعقّلت ،فوضعت يدها تحت ظهره الطاهر فقالت:(اللهم تقبل منا هذا القربان) .

إنها قمة العظمة والعطاء

هذه هي زينب سلام الله عليها التي جسدت كل معاني الكمال ، وحافظت على كل شيءٍ ، ليتحوّل في واقع الأمر إلى دروس رسالية ، فظلت محافظةً على مشاعر عظيمة خرّتْ خشوم الطغاة له اصرعى وتلجلجوا من فيض فصاحتها.

إننا عندما نكتب أو نتحدث عن زينب ، فلا بد أن نتقزّم أمام هذه الهامة السامقة ،التي مرت بواقعٍ صعب منذ طفولتها .

 

فقد توفي جدها صلوات الله عليه وعلى آله وهي في سن الرابعة ، ثم أمها فاطمة الزهراء بعد وفاة جدها ببضعة أشهر ، ثم فاجعة أبيها علي _سلام الله عليه _ وقد فلق هامته أشقى الأشقياء ،ثم مصيبة أخيها الحسن سلام الله عليه بعد أن قطع قلبه سم الخونة  وخذلان الناس له ، لتأتي بعدها فاجعة الفواجع ومصيبة المصائب فاجعة كربلاء الدامية .

أيها العالم هذه هي زينب يحقُّ لك أن يحيّرك أمرها، ويندهش حالك لشجاعتها ، ويتقزّم تاريخك أمامها، فمن بين الضحايا المبعثرة تقف بكل إيمانٍ ،وسخاء لتقول: “اللهم تقبّل منا هذا القربان” .

إن طغاة الأرض وأعداء العداله يزعجهم ويحيّرهم أمر من يحمل روحية زينب _عليها السلام _التي أغفل التاريخ دورها وتكاليفها الشاقة في حادثة كربلاء فقد سجّلت أرقى مستوى في الشجاعة الخالصة لله، لتقف أمام يزيد المغضوب عليه فتقول:” كد كيدك واسعَ سعيك ،وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ،ولا تميت وحينا” .

 

هنا أوصلت كل شيءٍ إلى معيار الكمال ،وأوصلت الطغاة إلى قعر الظلام.

انقرض طغاة الأمس بعارٍ ظل يلاحقهم بذكْرٍ شنيع ،وأفلت حياتهم إلى مستنقع أسود مشؤوم ،وأشرقت زينب بنور تزيّنت به الحياة ،وتفوّحت بها الدور والأرض، فيأتي طغاة اليوم بقيادة أمريكا وأدواتها الرخيصة ممثلة بآل سعود والإمارات؛ لإكمال مشروع أسلافهم ،فحركوا كل جلاوزتهم إلى اليمن ،ليحوّلوا اليمن إلى ساحة كربلائية دامية، وجادوا ماتحالفوا له، فعبثوا بالأرواح وحوّلوا الأجساد إلى أشلاءٍ ممزّقة بصواريخَ ذكية وقنابل انشطارية لم تستثنِ الطفل والمرأة والمقعد.

 

ومن بين أشلاء الأب والزوج ،والابن ،والأخ تظهر زينب من كل بيت يمني ومن وجدان كل أمٍ وأخت وزوجة يمنية ،لا تجزع من هول جرائم المجرم بل وقفت بكل رباطة جأشٍ ،على الأشلاء الطاهرة ،وهي ترشُّ العطور وتنثر الزهور ،وتطلق الألعاب النارية والشوق يعتليها قائلة :”اللهم تقبل منا هذا القربان”.

 

إنه لمن دواعي العظمة أن نجد اليوم زينبَ حيةً في وجدان أمهاتنا ،وفي كل واقع حياتنا ، وفخراً لكل امرأة جعلت قدوتها زينب ،ولعل حاضرنا مليئُ بالزينبيات التي جعلن آل سعود مثخنين ملدوغين بشجاعتهن .

السلام على زينب الصابرة الشجاعة المؤمنة .

السلام على كل أم يمنية جعلت زينب قدوتها وحاضرة في وجدانها .

السلام على شهداء كربلاء .

السلام على شهدائنا العظماء الأبرار .

التعليقات مغلقة.