في ميزان الــ«هولوكوست»

موقع طلائع المجد | أقلامٌ حرة | 31

| صلاح الدكاك

وائل محمد… شاب من تعز قتلته مرتزقة أحزمة الاحتلال في حاجز الحبيلين بلحج… ليست هذه الحالة مما يفتح شهية كلاب الخطاب المناطقي للنباح والتباكي على تعز وأبناء تعز.
لو توفي تعزي في صنعاء عن عمر يناهز الـ 100 عام وبذبحة صدرية، لنبحوا في وجه السماء والأرض واتهموا في وفاته (الحوثيين المجوس) ولندبوا وكتبوا المراثي المبتذلة فيه، لكن وقائع الاستهداف المباشر وشبه اليومي لحياة وأموال وأمن وسلامة عمال وتجار وطلاب محافظة تعز في الأراضي المحتلة، هي وقائع لا تتوافر على عناصر القيمة الاستثمارية التي يتوخاها كلاب الخطاب المناطقي من وراء نباحهم وعويلهم، والمتمثلة في توتير وتعبئة الرأي العام  وشحنه ضد نظرائه من المستضعفين، المدافعين عن الأرض والعرض، بلا حساب لحدود المنطقة والمذهب والعشيرة والعائلة.
الخطاب المناطقي لا قيمة لديه لبشر المنطقة التي يزايد باسمها ولا لدم أبنائها، وهو على استعداد تام أن ينحر مِن بَشَرِها العشرات والآلاف، إذا انعدمت الوقائع العرضية التي تتيح له اتهام الآخر (الحوثي) بالمسؤولية عنها.
الخطاب المناطقي لا ينتمي لنسيج اجتماعي بل لمشروع يعادي النسيج الاجتماعي، ويهدف لتمزيقه بتكتيل بعضه ضد البعض الآخر باسم المظلوميات، لينوب المجتمع عن العدو (تحالف الاحتلال والعدوان) في تدمير بناه وطاقاته ذاتياً، خارج معركة بناء بلده والنهوض بها والدفاع عنها في وجه مشروع الاحتلال والعدوان، وبما يوفر على العدو الجهد والوقت والمال والعثرات، ويوسد أمامه البلد فريسةً سهلة بلا حول ولا قوة ولا ممانعة.

ثمة فرق بين المزاج المناطقي والخطاب المناطقي، فالأول وليد المناكبة اليومية بين شرائح وفئات الشعب من مختلف المناطق، في مناخ تنافسي معيشي غير إنتاجي، ولا يؤطره مشروع وطني جامع كمناخ عقود حكم سلطة الوصاية، وهكذا فإن الأمزجة المناطقية تنشأ من وحشة الفضاءات القروية والجغرافية المعزولة وغير المدمجة في هوية وطنية جامعة، حين تصب وتتقاطع وتناكب بعضها البعض في فضاء مديني يفتقر هو الآخر لقواعد إنتاجية وصناعية، تصهر المشارب الاجتماعية طبقياً، في حقول العمل المنتج والطموح وعلى أرضية تكافؤ الفرص، والتأهيل تحت مظلة نظام وقانون دولة العدالة الاجتماعية المنشودة.
ذلك هو المزاج المناطقي، برأيي، في حين أن الخطاب المناطقي هو تحويل مجموع الأمزجة المناطقية سياسياً -بعد شحنها وتوتيرها- إلى مجموعة دعاوى تؤلف سلطة الحكم المسؤولة عن إنتاج كل تلك الوحشة والعزلة والتوجسات الداخلية والمظلوميات، وتغييب القيمة الإنسانية لمختلف شرائح الشعب لجهة حصرها في مراكز قوى ونفوذ، تمثل روافع اختزالية لسلطة الوصاية باسم طيف النسيج الاجتماعي الذي يتعين عليه أن يحترب بينياً، بما يدعم وجود هذه السلطة الممثلة بالأساس (لا لمصلحة مجموع الشعب والجغرافيا ) بل لمصلحة مركز الوصاية الإقليمية والدولية، كانتماء «كمبرادوري» ووسيط محلي تكمن قيمته الوجودية في تعبيد التراب والبشر لهذا المركز حصراً
من مقولة عبدالله صعتر «النيرونية الصهيونية في عدائيتها للبشرية»، تتجلى قطيعة هذا الخطاب مع مختلف طيف النسيج الاجتماعي الذي يختزله، كدعاوى مناطقية جوفاء وكيدية، حيث يقول صعتر على إحدى قنوات العدوان: «لا بأس في أن يموت 23 مليون من الشعب اليمني في سبيل أن يحيا مليون»، وبطبيعة الحال فإن هذا المليون الذي يذبح في سبيله صعتر غالبية الشعب هو «مجموع مراكز قوى سلطة الوصاية البائدة» لا مسحوقي ومستضعفي الشعب .
في مؤتمر الحوار 2013، كان صعتر يصرخ مفلسفاً سعي جماعته لتكويم أكبر حصص سلطوية في حجرها، ومطالبتها بالمزيد «إحنا أدينا دم»!.. ولا ريب أن صعتر كان يعني بهذا الدم تحديداً قتلى جمعة الكرامة، الذين قضوا بفوهات بنادق جلاوزة سلطة الوصاية التي تمثل «جماعة الإخوان» رافعتها المحورية خطاباً أيديولوجياً، ومساحات سيطرة عسكرية وأمنية ونفوذاً اقتصادياً وتجارياً طاغياً!
لقد اشترت الصهيونية العالمية من (أدولف هتلر) أرواح الكثيرين من يهود ألمانيا، وموَّلت المحرقة الأسطورية الشهيرة بـ«الهولوكوست»، في الوقت الذي نشأت فيه الحركة الصهيونية إياها بدعوى تمثيل وحماية وضمان مصالح يهود «الشتات العالمي».
وكان المغزى من هذه الرشوة الإجرامية المحرضة على قتل واضطهاد اليهود الألمان، والمقنعة بعاطفة زائفة مشبوبة تجاههم، هو ضمان مورد بشري نوعي أساسي لا غنى للدولة اليهودية المزمع إشهارها في فلسطين المحتلة عنه، وألمانيا كانت حينها منجماً يتوافر على أنبغ الأدمغة العلمية والفكرية والسياسية والاقتصادية، وكبار الصيارفة وأصحاب المال، الذين ينبغي دفعهم إلى الهجرة صوب «أرض الميعاد» فراراً بأرواحهم من «أفران الغاز النازية»!

التعليقات مغلقة.