محاربة الإرهاب واستراتيجية أمريكا الجديدة
بقلم: عبدالقادر حسين
مقالات طلائع المجد
ارتبطت علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالمملكة السعودية، وإلى جوار كونها علاقة انتهازية تستغل الثروات النفظية التي بحوزة الأخيرة، أقتصر دور الأخيرة على توفير المجرمين الدينيين للدفاع عن مصالح الأولى وتنفيذ أجندتها.
وإخلاصاً من السعودية لهذه العلاقة، أعدَّت نفسها لهذا الدور، أو أُعدَّت لذلك منذ بدايات تأسيسها والدور البريطاني الذي كان يقوم برسم الملامح الأولية للمملكة ويجري التعديلات الوراثية في(DNA) وترسم الحدود ونقاط الإلتقاء بين بني سعود والوهابية والإخوان، وقد يقول آخر أن تركيبة المملكة آنذاك بسبب عوامل جغرافية وثقافية كانت بيئة خصبة للتواجد البريطاني ومن بعده الأمريكي، على أية حال، وأياً كانت العوامل والأسباب فالنتيجة السافرة أمام الجميع، أنه من رحم الوهابية السعودية خرجت عصابات القاعدة وداعش وجبهة النصرة وعديد عصابات إجرامية تؤدي ذات الغرض وتتحلى بالسمات ذاتها.
لم تقدِّر السعودية نفسها بكونها الثقل الاستراتيجي في العالم العربي، واكتفت بكونها “شرطي أمريكي” في المنطقة ووكيلاً حصرياً للمشاريع الأمريكية، عدا من بعض الفتات التنموي الذي فرضه التطور العالمي ومستلزمات تنفيذ أجندة الولايات المتحدة، كامتلاك بعض وسائل الإنتاج واستخراج النفط، والتسلح العسكري بالإضافة إلى حالة الرفه الاقتصادي في المملكة، لكن ذلك لا يمكنها من الصمود ولن يُؤمّنها كوارث التخلي الأمريكي عنها، إذ أن التقارب الأمريكي – الإيراني وقانون(جاستا) يعتبر صدمة عشقية كبيرة حلّت بالمملكة جعلتها متضاربة بين الخيانة والحب(اترك لكم تخيل ذلك) مما أفقدها التوازن وخسران مصالح عدة، كالإنفراط في عقد تحالفها العدواني على اليمن واستعادة مصر لدورها خارج التذييل والتبعية للمملكة، ونفاذ لبنان من ربقة الهيمنة السعودية وتجاوز عقبة العراقيل التي تفرضها التدخلات السعودية في الشأن اللبناني بملأ فراغ السلطة الرئاسية في لبنان والتوافق على ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية.
من جانب آخر، إن انفضاح أمر العصابات الإرهابية وشيوع حقيقة أنها عناصر إجرامية تعمل في خدمة أمريكا ومصالح شركاتها الإمبريالية، لدرجة أن هذا الأمر صار مدرجاً ضمن حملات انتخابات الرئاسة الأمريكية، وتوجيه أصابع الاتهام إلى المملكة بكونها الممول لهذه العصابات، الذي أتى هذه المرة في ظل متغيرات عالمية جديدة، لم تعد أمريكا فيها القطب الأوحد الذي يبسط نفوذه على العالم، وبالتالي لن يكون مجرد ابتزاز أمريكي للسعودية، يتكرر كما حدث عقب 11 سبتمبر 2001، إذ أن دخول روسيا كقطب ثانٍ عالمياً وشريكاً جاداً في محاربة الإرهاب، يجعل الولايات تضطر لإحراق ورقة الإرهاب من قائمة أوراقها في المنطقة، وتُلقي باللائمة على السعودية وتُحملها العواقب، بما فيها مخاوف انقلاب داعش على أمها، كما يُعبّر المثل اليمني(آخر المحنش للحنش).
إن محاربة الإرهاب بات إلزامياً على الولايات المتحدة ولم يعد بوسعها النكوص عن ذلك، والرئيس الجديد على البيت الأبيض سيتبنى ذلك جنباً إلى جنب الروس، أو على أقل تقدير لن يعيق أي حرب جدية على الإرهاب، ذلك لا يعني الخلاص التام من اليد الأمريكية في الشرق الأوسط، بل إن أوراق أخرى لايزال بوسع أمريكا استخدامها، وهنا يجدر الإشارة إلى أن صمود الشعب السوري واليمني والعراقي والمقاومة اللبنانية في مواجهة آلة الرعب الإمبريالية(داعش وأخواتها) تحطمت أمامه العصابات الإرهابية، وأدت إلى مزيد من الإنفضاح للرعاية السعوأمريكية لها، وذلك يعد إنجازاً كبيراً يتمثل في الخلاص من رحى الصراع الطائفي التي أُعدَّت للعالم العربي.
وببوادر الخلاص تلك، تتشكل ملامح المرحلة القادمة للعالم العربي، مبشرة بزيادة قدرة محور المقاومة لأمريكا وإسرائيل في مقابل تآكل الطرف الآخر وتراخي القبضة الأمريكية، ولولا أن الغباء المستطير في السياسة السعودية وهيسيريا العشق والهيام لأمريكا تتحكم بها، لتمكنت من إنقاذ نفسها وتشكيل رافد قوة هام في محور مقاومة أمريكا وإسرائيل في العالم العربي، ليس بدافع قومي أو إسلامي إنما بدافع النهوض بدول المنطقة كونها تكتنز ثروات طبيعية هائلة وتعرضت للإستغلال مدة طويلة، لتتخطى طور التبعية والتذيل إلى طور آخر تكون فيه، على الأقل، شوكة ميزان للقطبين(روسيا – أمريكا) وتستغل تنافسهما لصالح إحداث تنمية مستدامة واللحاق بركب التقدم العلمي والتقني.
أما بالنسبة للأوراق المتاحة أمام الولايات المتحدة لاستخدامها في خدمة مشاريعها الإمبريالية، تأتي في رأس القائمة منظمات المجتمع المدني والحقوق والحريات وغيرها، من الهيئات الصغيرة ذات الارتباط الوثيق بالسفارات الأجنبية،- أكانت ذات بناء مؤسسي موجود، أو حتى وهمية باتت تُعرف بالدكاكيين -، لن تتغير ماهية الصراع بل أشكاله وصوره وسيصير الصراع القادم خالياً من قطع الرؤوس، والتمثيل بالجثث، وتفجير الجوامع وقاعات الأفراح والعزاء، فبطل السيناريو الأمريكي الجديد لن يكون داعشياً، بل سيكون نوعاً آخر تماماً.
وبخصوص القضية اليمنية نلاحظ أن انتفاضة فبراير 2011، كانت محاولة تغيير جادة أفزعت الولايات المتحدة، لكن سرعان ما تمَّ وأدها بالمبادرة الخليجية، وقتها نشطت منظمات المجتمع المدني في أوساط الشباب وجنَّدت العديد منهم في خدمة السفارات الأجنبية، وكان الضغط الأمريكي واضحاً من أجل تمكين الشباب والمرأة، ليس إيماناً بكونهم فئات اجتماعية مهمشة، بل لكونهم جنودها المُعَدِين للاستخدام في مرحلة السلم،(أحمد عوض بن مبارك نموذجاً).
هذه النماذج التي كان الضغط الأممي منصباً من أجل تمكينها، لم تكن تنتمي لواقع أبناء الشعب اليمني، ولم تمثل الفئة الإجتماعية التي نُصبت عنها، بل كانت أكثر بعداً عن معاناتهم وسخرية من حياتهم، فالحياة الغربية كانت قد سلبت ألبابهم، وجعلت طموح عديد منهم هو في الحصول على حق اللجوء والعيش في أحد البلدان الغربية، ولانزال نعاني من هؤلاء المأزومون بأن السعادة والرفه والعيش الرغيد الذي يتيح لهم ممارسات فردية(طبيعة/ شاذة) دونما حواجز وقيود اجتماعية، فقط، هؤلاء هم أبناء المنظمات والمنخرطين في دهاليزها.
أمر آخر ليس بالبعيد زمنياً، يؤكد أن السياسة الخارجية الأميركية تعمل برديفين أحدهما للسلم والآخر للحرب، هو حينما لاحت بوادر انفراجة للأزمة اليمنية في حوار الأطراف اليمنية في الكويت، وفي الوقت الذي كانت الولايات المتحدة مستمرة في دعمها لتحالف العدوان على اليمن وقبل نشوب أية خلافات سعودية – أمريكية، وعن طريق المبعوث الأممي ولد الشيخ الذي بدوره استدعى عدد من الوجوه النسائية المعروفة بارتباطها بالمنظمات، ولا نقول أن جميعهن على ارتباط بالسفارات، إلا أنها ترى فيهن عصا يسهل التقارب معها وتطويعها، وخفتت هذه الوجوه مع زيادة قتامة الأزمة وبُعد الطريق المؤدي إلى حل سياسي، ولا يعني ذلك الخفوت انتهاء الفاعلية بل هو إيقاف مؤقت إلى أن يحين الدور، ومثلما تمَّ استدعاء الوجوه المنظماتية بعد عام ونصف من العدوان والغياب التام للنشاط الحقوقي والمدني، ستُعاد الكرة ثانية..
التعليقات مغلقة.